يعتقد الدكتور عبد الخالق حسين أنه لحسن حظ الشعب المصري، والديمقراطية، والدكتور أحمد شفيق أنه لم يفز، فلو كان الدكتور شفيق هو الفائز لرفض الإسلاميون النتائج، وخرجوا في انتفاضة مسلحة على غرار ما حصل في الجزائر عام 1992، ولأغرقوا الشعب المصري بأنهار من الدماء. لذا ففي فوز المرشح الإسلامي الدكتور مرسي فوائد كثيرة و(رب ضارة نافعة)، منها: حقن للدماء، ووضع الإسلاميين على المحك أي في موقع المسؤولية، وعلى الأغلب سيفشلون فيما وعدوا به من حلول لمشاكل الفقر والبطالة.
والمطلوب من القوى العلمانية الديمقراطية منح الإسلاميين الوقت الكافي (مدة سنة على الأقل)، وهذا لا يعني أن يحلوا مشاكل مصر خلال سنة، بل كاختبار لهم ليثبتوا حسن نواياهم وقدرتهم على الإيفاء بوعودهم، وعلى الأغلب سيفشلون لأن المشاكل الاقتصادية المتفاقمة هي أكبر من قدراتهم المحدودة، خاصة وأنهم يريدون إعادة المجتمع إلى الوراء 1400 سنة، وحل مشاكل اليوم المعقدة، بقوانين وضعها السلف قبل 14 قرناً.
ينظر الدكتور حسين إلى فوز المرشح الإسلامي الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية من زاوية يقارن فيها ذلك بتراجع العلمانيين وجبهتهم التي أراد احمد شفيق قيادتها.
يعتبر يوم 24 يونيو 2012 يوماً مشهوداً في تاريخ الشعب المصري، وثورات الربيع العربي. ففي هذا اليوم أعلنت اللجنة العليا للانتخابات، نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز المرشح الإسلامي الدكتور محمد مرسي بنسبة 51.73%، وخسارة المرشح العلماني الدكتور أحمد شفيق بفارق قليل جداً حيث حصد ما نسبته 48.27% من مجموع المشاركين في عملية التصويت. وهذا دليل على نزاهة وعدالة الانتخابات.
فلأول مرة في تاريخ مصر تختفي نسبة 99.99% التي كان يفوز بها الرؤساء السابقون، ولأول مرة في تاريخ الشعوب العربية يقدم المرشح الخاسر التهنئة لمنافسه الفائز دون الطعن والتشكيك بالنتائج، وهذا خروج على التقليد العربي، لذلك فالدكتور أحمد شفيق حقق سابقة يستحق عليها الثناء والتقدير منا جميعاً. وهذه تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام في رحلة الألف ميل لتحقيق الديمقراطية التي ناضل من أجلها الشعب المصري بثورته يوم 25 يناير 2011، ودفع شباب الثورة تضحيات جسام بدمائهم الزكية.
تناسب طردي بين العنف الثوري وقسوة نظم الاستبداد
لقد أثبتت ثورات الربيع العربي أن العنف الذي يرافق التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية يتناسب طردياً مع قسوة وجور الأنظمة الدكتاتورية، أي كلما كان النظام أكثر جوراً، كان التحول أكثر عنفاً ودموية. ففي تونس ومصر كانت العملية مصحوبة بأقل ما يمكن من العنف الدموي مقارنة بما حصل في العراق واليمن وليبيا وسوريا. وهذا يدل على أن الرئيسين المخلوعين، التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، كانا أقل جوراً وقسوة من نظرائهما من الحكام العرب الجائرين المخلوعين والذين في طريقهم إلى السقوط.
الطريق الوحيد لتجنب العنف في مرحلة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية هو إذا قام رأس النظام المستبد نفسه بعملية التحولات الديمقراطية تدريجياً. ولكن هذا نادراً ما يحصل في التاريخ، لأن الحاكم المستبد مدمن على السلطة، ومن الصعوبة أن يتنازل عن سلطاته وامتيازاته بإرادته الحرة. وحتى هذا الأسلوب لو حصل، فهو غير مضمون للتحول السلمي، لأنه حالما يبدأ المستبد بإرخاء قبضته، حتى وتتسارع الأحداث وتنطلق الجماهير للمطالبة بالمزيد من الحقوق، ويفقد المستبد السيطرة عليها فينهار نظامه ويحدث الطوفان والغليان.
دلالات فوز المرشح الإسلامي
لفوز المرشح الإسلامي، الدكتور محمد مرسي، دلالات عديدة ومهمة، منها أن الشعب المصري هو شعب محافظ ومتدين، وقد استفاد الإسلام السياسي من النزعة الدينية لدى الجماهير المصرية، لاسيما وأن حزب الأخوان المسلمين هو الحزب الوحيد العريق والمنظم بشكل تراتبي هرمي، وانضباط حديدي. والدلالة الثانية، أن هناك تطورا سريعا حصل في وعي الشعب المصري خلال أشهر قليلة، وذلك بتغيير موقفه من الإسلام السياسي، ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حقق الإسلاميون (الأخوان المسلمون والسلفيون) فوزاً ساحقاً حيث حصلوا على نحو ثلثي أصوات الناخبين، وثلثي مقاعد البرلمان (مجلس الشعب)، بينما انخفضت هذه النسبة في الانتخابات الرئاسية للمرشح الإسلامي إلى النصف تقريباً (51.73% ) من الذين شاركوا في التصويت، علما بأن الذين أدلوا بأصواتهم يشكلون نصف من يحقهم لهم التصويت، والذين تغيبوا عن التصويت هم في غالبيتهم من العلمانيين، لأن المؤيدين للإسلاميين يعتبرون المشاركة في الانتخابات فرض عين واجب عليهم. وهذا يعني أن الذين صوتوا للمرشح الإسلامي يمثل نحو ربع من يحق لهم التصويت. لذلك فمن المؤكد أن سبب خسارة المرشح العلماني هو امتناع غالبية العلمانيين عن المشاركة في التصويت لعدم قناعتهم بالدكتور أحمد شفيق بسبب ارتباطه بالنظام السابق، وما رافق الحملة الانتخابية من دعاية مضادة له أن فوز شفيق يعني عودة نظام مبارك من الشباك!!
وبعملية رياضية بسيطة، نعرف أن شعبية الإسلاميين هبطت خلال أشهر قليلة من ثلثي المصوتين في الانتخابات البرلمانية إلى نحو ربع في الانتخابات الرئاسية، أي أن نحو ثلاثة أرباع الذين يحق لهم التصويت لم يصوتوا للرئيس الفائز. وهذا انتصار للعلمانيين.
لذا، فعلى العلمانيين الساخطين على فوز المرشح الإسلامي، والذين لم يشاركوا في التصويت، أن لا يلوموا إلا أنفسهم، إذ كان عليهم المشاركة بكثافة من أجل دحر الإسلاميين، حتى ولو كان المرشح العلماني دون طموحهم. فالسياسة فن الممكن، ولا يمكن تحقيق ديمقراطية ناضجة بسرعة، أما سياسة (كل شيء أو لا شيء) فدائماً تؤدي إلى لا شيء. على أي حال، هذه هي الديمقراطية، يجب على جميع الأطراف احترام نتائجها.
الديمقراطية تصحح أخطاءها
ينقل عن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرتشل قوله: "أن الحكومة الديمقراطية هي ليست الحكومة المثالية الفاضلة، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل منها". وهذا يعني أن الحكومة الديمقراطية ليست معصومة من الأخطاء، بل وحتى الجرائم، ولكن الديمقراطية تمتلك آلية تصحيح أخطائها، وذلك بفضح الأخطاء والجرائم التي ترتكب باسمها. فالديمقراطية لا تعني الانتخابات لمرة واحدة، بل تعاد بشكل دوري، عادة كل 4- 5 سنوات، وإذا ما فشلت القوى السياسية التي انتخبتها الأغلبية في حل مشاكل الشعب، والالتزام بوعودها فسوف تخسر في الانتخابات اللاحقة.
فوز الإسلاميين في الانتخابات في البلاد العربية هو رد فعل الجماهير لفشل الحكومات العلمانية المستبدة في حل مشاكل الشعب المتفاقمة، في الوقت الذي رفع فيه الإسلام السياسي شعار (الإسلام هو الحل). لذلك، فالتجربة خير برهان، ولا يمكن إقناع الجماهير بعدم قدرة الإسلاميين على حل المشاكل إلا بوضعهم على المحك، أي بوضعهم في الحكومة وتحمل المسؤولية
No comments:
Post a Comment