ليست هذه المرة الأولى التى تقوم فيها إيران بمناورات عسكرية، غير أن المناورات التى تجريها هذه الأيام تأتى فى سياق إقليمى ودولى يبدو مختلفا إلى حد كبير عن السياق الذى جرت فيه المناورات السابقة. فقد دخل قرار الاتحاد الأوروبى بفرض حظر شامل على استيراد النفط الإيرانى حيز التنفيد بالفعل، اعتبارا من أول يوليو. وبانضمام اليابان، ودول أخرى موالية للغرب، إلى جبهة الدول الداعمة لقرار فرض حظر نفطى شامل على إيران، تدخل العقوبات التجارية والمالية المفروضة على إيران طوراً جديداً قد يؤدى إلى حرمانها من أكثر من 40% من مواردها النفطية.
يضاف إلى ذلك أن الأوضاع الداخلية فى كل من سوريا ولبنان تنذر باحتمال سقوط النظام السورى وبفرض مزيد من العزلة علىحزب الله، أهم حليفين لإيران فى المنطقة، وأن معظم الدول العربية تبدو مشغولة إلى حد الاستغراق بأوضاعها المحلية المرتبكة، كل ذلك يجعلنا ندرك على الفور أن المعطيات الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط فى طريقها إلى التغير، إن لم تكن قد تغيرت بالفعل، لغير صالح إيران. وتلك كلها عوامل تغرى الدول المناوئة لإيران، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة، بالاستعداد الجدى لتوجيه الضربة القاضية للنظام الإيرانى الذى يبدو أنها قررت التخلص منه نهائيا، إما بتشديد الحصار السياسى والاقتصادى أو بشن حرب عسكرية شاملة عليه، إن لزم الأمر. ويبدو أن إقدام الولايات المتحدة على إرسال مجموعة من الفرقاطات للمرابطة بالقرب من مضيق هرمز، وقيامها بتعزيز رفع استعداداتها العسكرية فى منطقة الخليج ككل، يرجح كفة هذا التوجه.
يرى البعض أن التصعيد الغربى لا يستهدف فى الواقع سوى حمل إيران على تقديم تنازلات جوهرية فى جولة المفاوضات الجارية حاليا، لحملها على وقف تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، أما البعض الآخر فيرى أن إيران لن تقدم أى تنازلات وتعتقد أن نظامها الإسلامى ـ وليس برنامجها النووى ـ هو المستهدف، ومن ثم تبدو مصممة على المضى قدما فى تنفيد برنامج نووى تصر على أنه برنامج سلمى تماما، وعلى بذل كل ما فى وسعها لكسب الوقت والوصول بدورة تخصيب اليورانيوم إلى نقطة تمكنها من استيعاب التكنولوجيا النووية. ولأن الغرب، الواقع تحت ضغوط هائلة ومتواصلة من جانب إسرائيل، لن يسمح لإيران باستيعاب المعرفة والتكنولوجيا النووية، حتى ولو لم تكن لديها أى نوايا لصناعة أسلحة نووية، فسوف يظل احتمال التصعيد إلى درجة المواجهة العسكرية قائماً. وهذا هو ما تدركه إيران وتستعد له فعلا وتتصرف على أساسه.
لم تكتف إيران بالتأكيد على أن أى عدوان عسكرى عليها سيواجه برد حاسم من جانبها يشمل: ضرب أى أهداف تستطيع أن تصل إليها فى إسرائيل، وكل القواعد العسكرية فى الخليج، بل والمنشآت النفطية فى دول الخليج نفسها، وإنما أكدت أنها لن تتردد مطلقا فى إغلاق مضيق هرمز رغم إدراكها أن إغلاق هذا المضيق، الذى تمر عبره نسبة كبيرة من صادرات النفط العالمية، يعد بمثابة إعلان للحرب على المجتمع الدولى كله. الجديد فى الأمر أن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز لم يعد يقتصر الآن على سيناريو وقوع هجوم عسكرى عليها، لكنها بدأت تؤكد أن هذا السيناريو قابل للاستخدام فى حالات أخرى، مثل الحظر النفطى الشامل عليها، وأنها لن تستسلم مطلقا لمحاولات خنقها اقتصاديا من خلال هذا الحظر.
لقد استطاعت إيران ليس فقط مواجهة جميع العقوبات الاقتصادية التى فرضت علها حتى الآن، ولكن أيضا توظيفها لصالحها وتحويلها إلى فرصة قابلة للاستثمار للوصول باقتصادها إلى درجة أرقى من الاستقلال والاعتماد على الذات. ورغم أن إيران لاتزال تؤكد أنها قادرة على مواجهة الحظر الأوروبى على نفطها، فإن بعض المراقبين المحايدين يرون أن الضرر الذى سيلحقه هذا الحظر ربما يكون أكبر من قدرتها على الاحتمال. لذا قد يأتى التصعيد العسكرى من جانب إيران نفسها. ورغم أنه من المستبعد تماما إقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى نوفمبر المقبل، فإن أحدا، بما فى ذلك الولايات المتحدة نفسها، قد لا يكون بوسعه كبح جماح إسرائيل إذا ما وجدت فرصة سانحة لتوجيه ضربة مؤثرة لإيران تجهض برنامجها النووى. يبدو أن الوضع الإقليمى الآن بات شديد الخطورة، وهو ما يفرض على مصر أن تتحسب لجميع الاحتمالات، بما فيها أسوأها. فانشغالنا المشروع بالهم الداخلى يجب ألا يلهينا عن متابعة ما يجرى فى المنطقة .
No comments:
Post a Comment