الرئيس ''مرسى'' اليوم فى السعودية.. لو كنت مكانه ما سافرت.. الدنيا خربانة فى البلاد بسبب قرار عودة البرلمان.. المؤسسات ملتهبة والناس مولعة.. لم نعرف أن مبارك سافر، طوال حكمه، فى ظروف مماثلة.. ربما كان يقطع سفرياته ويؤجل رحلاته فى ظروف أقل، مع أنه كان يطمئن للجيش.. ''مرسى'' يسافر أيضاً وهو مطمئن للجيش، لأن قناعات الجيش تمنعه من عمل شىء الآن.
يهمنى هنا التصريح الذى أدلى به الرئيس قبيل سفره بساعات.. قال الرئيس: ''أمن الخليج خط أحمر''.. لا أختلف مع الرئيس ''مرسى''، حول موقفه من أمن الخليج.. فقط أختلف معه لأنه لم يقل ذلك إلا مستنداً على جيش يعرف قدراته، فضلاً عن مكانة كانت تتمتع بها مصر.. للأسف لم يدرك الرئيس أنه مرمط اسم مصر، حين أهان المحكمة الدستورية.. أولى به أن يعرف أن القضاء خط أحمر.
أمن الخليج خط أحمر، وأحكام القضاء خط أحمر أيضاً.. قوة مصر، التى يتحدث من خلالها الرئيس ''المستجد''، لا ترجع إلى قوتها العسكرية وحدها.. إنما ترجع لتراكم حضارى وتاريخى وقضائى.. الآن تدخل عصراً جديداً من الفهلوة.. تدخل عصراً جديداً من المراهقة السياسية.. تعيدنى من جديد إلى الكلام عن رجال الدولة ورجال الجماعة.. لا أظن أن عمرو موسى كان يفعل ذلك لو كان رئيساً.
الخطوط الحمراء التى يضعها الحاكم لنفسه تجعل كلامه عن أى خطوط حمراء مؤثراً.. أما أن يهدر الخطوط الحمراء فى بلاده، ثم يتحدث عن خطوط حمراء، فلا شك أنه كلام ابن عم حديت، الهدف الوحيد منه هو الاستهلاك المحلى.. هنا أريد أن أسأل الرئيس «مرسى»: لمن يوجه الرئيس هذه الخطوط الحمراء الآن؟.. هل يوجهها ضد إيران مثلاً؟.. نظام الرئيس ''مرسى'' ليس ضد إيران بالمرة.
ربما كنا نصدق نظام مبارك، حين كان يهدد مستخدماً هذه العبارات.. كان ''مبارك'' فى خصومة ثأرية مع النظام الإيرانى.. كان لا يزوره ولا يقيم معه العلاقات الدبلوماسية.. لا يبيعه ولا يبتاع منه كما يقولون.. أما ''مرسى'' فهو شىء آخر.. لماذا يستخدم الخطاب السياسى نفسه؟.. أن يُطمئن الخليج هذا جميل.. يبقى السؤال: يطمئن الخليج ممن: من أمريكا أم من إيران؟.. عفواً.. لم يعد أحد بريالة.
زيارة الرئيس الأولى للمملكة، كزيارة أولى له خارج البلاد مهمة جداً.. هناك دلالات سعودية - مصرية بلا شك.. المملكة كان لها دور كبير فى دعم مصر الثورة.. أدهشنى أن أخباراً ذاعت مؤخراً أن السعودية كانت مهد جماعة الإخوان.. استفزنى أن الكلام ليس حول علاقات ثنائية دولية، إنما عن علاقة دولة بجماعة.. العلاقة التى كانت تنكرها السعودية.. الآن تتردد أخبار على سبيل التباهى.
عندى ملاحظات على الزيارة الأولى: أولاً: من حق الرئيس وحده أن يحدد زيارته الأولى.. ثانياً: لو كنت مكانه لذهبت إلى دول منابع النيل.. ثالثاً: لو كانت السعودية هى المحطة الأولى يبقى لازم جدول الأعمال يناقش قضايا مهمة.. أولاها: قضية الكفيل.. ثانيتها: موضوع المعتقلين.. ثالثتها: تطوير الميزان التجارى وتشجيع الاستثمارات.. الزيارات الخارجية لها تكلفة، وينبغى أن يكون لها عائد أيضاً.
قبل الثورة تقزمت مصر بحدودها الأربعة على يد المخلوع.. بعد الثورة حلمنا بعودة الذراع المصرية الطويلة.. حلمنا بدولة مدنية قانونية تحترم الدستور والقانون.. تجعل أحكام القضاء خطاً أحمر قبل أن تتكلم عن الخطوط الحمراء.. وللأسف كانت أول طلعة رئاسية إهانة الدستور.. حنث الرئيس بالقسم، كما قال قضاة مصر
No comments:
Post a Comment